غمت زبيدة غما عظيما لما ذكر الرشيد البيعة للمامون، فدخلت عليه و عاتبته و آخذته فبين لها ان المامون احق بالخلافة من الامين لما له من خصال تؤهله لحكم الرعية، فطلب منها ان تجلس بجواره و ان يدعو المامون ثم الامين و تحكم هي بعد ذلك. فبعدما انصرفا و كان ما كان، سالها: كيف رايت ما بين ابني و ابنك؟ فقالت: يا امير المؤمنين ابنك احق بما تريد و اولى بما لديك، فقال هارون: اقررت بالحق، فاعهد الى ابني ثم ابنك من بعده[17].
لما قتل الامين، دخل احد خدمها عليها فقال: ما يجلسك و قد قتل امير المؤمنين محمد؟، فقالت: و يلك و ما اصنع؟ فقال: تخرجين تطلبين ثاره، فقالت: اخسا لا ام لك، ما للنساء و طلب الثار و منازلة الابطال؟[18].
قد قالت عندما دخلت على المامون ببغداد بعد قتل الامين: اهنيك بخلافة قد هنات نفسي بها عنك قبل ان اراك[19].
عندما كان في حضرة السيدة زبيدة احد الشعراء انشد قائلا:
ازبــــــــــيدة ابنة جـــــــعـــفر طــــوبــــى لزائـــــــرك المثاب
تعطـــين من رجلـــــيــك ما تعـــــطى الاكـــف من الرغاب
فوثب اليه الخدم يضربونه، فقالت: لا تفعلوا فانه انما اراد خيرا فاخطا و من اراد خيرا فاخطا احب الينا ممن اراد الشر فاصاب، و قد ادركت ما يعنيه من تشبيه[20].
كتب الخادم الذي وهبه الرشيد لجعفر، الى الرشيد يخبره بما كان بين اسماعيل بن يحيى الهاشمي و جعفر بن يحيى البرمكي و ما تكلم به جعفر من الكلام الغليظ، فلما قراه الرشيد احتجب ثلاثة ايام و دخل في اليوم الرابع على زبيدة فخلا بها و شكا لها ما في قلبه و اطلعها على الكتاب، و كان بين زبيدة و جعفر عداوة، فبالغت في المكر بهم و كان الرشيد يتبرك بمشورتها، فاشارت عليه بما هو اعظم من ذلك، فلما سالها قالت له ان يحضر ارجوان الخادم و هو يخبره، فلما احضره اخبره بما كان بين جعفر و ميمونة من زواج و انجاب و كان هذا سبب قتله و نكبة البرامكة[21].
كان يحيى بن خالد البرمكي لا يزال يتفقد امر حرم الرشيد و يمنعهم من خدمة الخدم ، فشكت ذلك الى الرشيد، و لما لقيه قال له الرشيد ما بال ام جعفر تشكوك؟ فقال يحيى بن خالد لا تقبل قولها في ما دمت غير متهم في حرمك و تدبير قصرك. فازداد يحيى لها منعا و كان يامر باغلاق ابواب الحرم بالليل و يمضي بالمفاتيح الى منزله، فلما بلغ ذلك ام جعفر دخلت على الرشيد و شكت له فقال لها هو غير متهم في حرمي و قصري، فقالت: فما باله لا يحفظ ابنه مما ارتكب و اخبرته بقصة العباسة و جعفر[22] .
الان و بعدما عرضت الاشارات الرئيسية التي ذكرت لكل من السيدة خيزران و السيدة زبيدة اجد انه من الصعب تحديد دور كل منهما في التاريخ السياسي باستثناء العبارات التي تذكر ان الخيزران كانت مستبدة بالامر، و هذا الذي يقول ذلك لا يقدم دعما تاريخيا واحدا على قوله. و قد يكون هذا لعدم تصفحي لكل المصادر المتعلقة بالموضوع، و لهذا يظل الحكم معلقا و غير مؤكد، لكن و من خلال ما ذكرته من اشارات قد اجد ما يشير و لو بلمحة بسيطة الى زيادة نفوذ الخيزران و زبيدة. و ابدا بالتعليق على السيدة الخيزران ثم السيدة زبيدة.
. السيدة زبيدة:
لا اعتقد ان لها دورا واضحا في التاثير على سياسة الرشيد لان النصوص التاريخية لا تظهر هذا، و من الصعب تاكيد القول بانها كانت تقوم بذلك بعيدا عن العلن ما دمنا لا نملك الدليل على ذلك، حتى و ان سلمنا انه كان لها دورا مؤثرا في سياسة الدولة فانطباعي عنها من خلال ما قرات يقول انها لن تتدخل بسوء او في مضرة لما تتصف به من رجاحة العقل و انصاف للحق.
اما ما ُيذكر عن نكبة البرامكة و ان لها دورا فيها، فهذا غير مؤكد، لاني لم اجد من خلال ما قرات من كتب سوى نصين يتناولان هذا الموضوع و كلاهما لا يؤكد هذا الدور:
1. النص الاول: الذي ُيذكر فيه ان الرشيد احتجب ثلاثة ايام بعدما وصل اليه كتاب خادم جعفر و انه دخل في اليوم الرابع و اختلا بزبيدة و قالت ما قالت، فان هذا النص متناقضا لانه اذا كان قد خلا بها فكيف وصل هذا الحديث الذي دار بينهما الى الراوي الذي روى الحكاية و هو اسماعيل بن يحيى؟؟ و حتى قلنا انه وصل بشكل من الاشكال، فمن هذا الذي يكشف عن نفسه انه كان وراء تدبير الوقوع بالبرامكة في نكبتهم مع الرشيد.
2. النص الثاني: الذي ُيذكر فيه ان زبيدة ذهبت الى الرشيد تشكو يحيى البرمكي بعدما زاد عليها في المنع و امر باغلاق ابواب الحرم بالليل، و ما كان من ارم زبيدة ان ذهبت للرشيد و قالت ان كان حقا غير متهم فما باله لا يحفظ ابنه مما ارتكب و قصت عليه قصة جعفر و العباسة. فلا يمكن الاعتماد على هذا النص لتاكيد انها كانت سبب نكبة البرامكة لانه سواء علم منها او من غيرها كان سيعلم سيعلم، و ان كانت فعلا تريد النكاية بالبرامكة، فلماذا لم تخبره بذلك الامر منذ ان وقع و قد كان لهما من الابناء ثلاثة اكبرهم ستة اعوام؟! يظهر من هذا ان دورها في نكبة البرامكة يظل ضعيفا و غير مؤكد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق